موضوع: البناء الحضاري أو حل مشكلة الحضارة - مالك بن نبي الخميس 21 أكتوبر - 0:04
أسس عملية البناء الحضاري أو حل مشكلة الحضارة
"... لقد بينا فيما سبق كيف شكّل استقراء الواقع التاريخي والحضاري المخبر الأساسي الذي استقى منه مالك بن نبي الكثير من أطروحاته حول مشكلات الحضارة، كما كان تتبعه لمسيرة النهضة وعملية البناء التي عرفتها الدول الإسلامية منطلقاً لبلورة جملة من الآراء النقدية والبنائية أسّس من خلالها لنظرية جديدة في البناء الحضاري. لقد انتقد ابن نبي عمليات التجميع والتكديس لمنتجات الحضارة الغربية، وأكّد زيف هذه الطريق التي تمّ تبنّيها على أنها الطريق الصحيحة للخروج من وضعية التخلف الحضاري، كما انتقد أيضاً -كما بيّنا- عقلية التجزيء عند الدراسة والعلاج لهذه المشكلة (التخلف)، فبدل أن تتجه الجهود وتتكتل الوسائل والإمكانات نحو بناء حضارة اتجهت نحو تكديس منتجاتها لتنحل المشكلة من تلقاء نفسها بقوة الأشياء لا بحكم الفكر. وعلى هذا لم يملّ -كما بيّنا أيضاً- من التأكيد على أن مشكلة كل شعب هي مشكلة حضارة ولن يتأتى لهذا الشعب أن يحل مشكلته إلا بالوقوف على العوامل التي تبني الحضارات، أي الوعي بشروط بناء الحضارة وكيفية تركيبها، فلكي تستطيع المجتمعات المتخلفة أن تقدم لإنسانها المساعدة الضرورية في مختلف أطوار نموه وتحقق لنفسها حياة اليسر والرفاه وتقضي على ضروب الجهل والأمية والفقر والمرض... ينبغي أن تكتّل جهودها لتبني حضارتها من جديد، يقول ابن نبي: >فحينما نريد أن نُكوّن مجتمعاً يقدم الضمانات الاجتماعية للفرد، ويؤيّد الأمن في العالم، أو أننا نريد أن ندرس قضايا مجتمعنا اقتصادية كانت أم اجتماعية، فإنّ شروط وصولنا إلى تحقيق هذا كله هي شروط الحضارة، بل إنّه لا يمكن أن تنبع هذه الشروط إلا من الحضارة، ولا يمكن أن تتحقق إلا في إطارها). ويقول أيضاً: فإذا أردنا أن نبني مجتمعاً أفضل فهذا يعني أننا نبني مجتمعاً متحضراً، وهو بدوره أيضاً يعني أنه لا بد أن نعمل لتكوين حضارة). وحتى يتأتى لها ذلك ينبغي أن تعي شروطها (الحضارة) وكيفية تركيبها، فلكي نبني حضارة فإن شرط البدء في هذا البناء هو أن نعي قانون الحضارة أي أن نعرف من أين نبدأ فنفكر في عناصرها تفكير الكيميائي الذي يحلل المنتجات الكيميائية عندما يريد أن يجري عليها عمليات التركيب، فإذا سلكنا هذا المسلك -يقرر ابن نبي- فإن كل ناتج حضاري تنطبق عليه الصيغة التالية: ناتج حضاري= إنسان + تراب + وقت.